العيد غدا
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد ..
فغدا العيد والعيد غدا فما معنى العيد وكيف يكون العيد.
ليس العيد لمن لبس الجديد ، ولمن تفاخر بالعدد والعديد ، وإنما العيد لمن خاف يوم الوعيد ، واتقى ذا العرش المجيد.
ليس العيد نغمة ووتر ، ولا مباهج فارغة ولا مظاهر وفوضى ، بل العيد شكرا للمنعم عز وجل واعتراف بفضله وإظهار نعمته والمسيرة في موكب من المؤمنين إعزازا للدين وكبتا لأعداء المسلمين.
في العيد قضايا عديدة منها:
الأكل في صباح عيد الفطر قبل الصلاة وذلك بتناول تمرات لنمتثل أم الله في الإفطار كما امتثلناه في الصيام.
ومنها زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وإسعادا للفقير وإحياء لروح التعاون والتراحم بين المسلمين وتزكية للنفس وقهرا للشح.
ومنها لبس الجديد من الملابس والتطيب اعترافا بجميل صاحب الجميل تبارك وتعالى وتزينا له فهو سبحانه جميل يحب الجمال، ثم هو إظهار لنعمة الله عز وجل ، ففي حديث حسن عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إن الله يحب أن يرى اثر نعمته على عبده ) رواه الترمذي.
والعيد أن يعود بعضنا على بعض بالزيارة والسلام والصفاء والحب.
والعيد صلة للأرحام وبر بالوالدين وعطف على الفقير والمسكين ورحمة بالجار.
العيد عند المسلمين تتجلى فيه الأفراح الإيمانية المنضبطة بضوابط الشرع المحفوفة بسياج الأدب ، ففي العيد المزح الوقور والدعابة اللطيفة والنكتة البريئة والبسمة الحانية والنزهة المباحة والقصص البديع.
العيد يذكر بيوم العرض الأكبر جمع حاشد وألوف مؤلفة ، غنى وفقير وكبير وصغير وأمير ومأمور وسعيد وشقي ومسرور ومحزن.
العيد يوم الجوائز فمن صام وقام إيمانا واحتسابا فبشراه بالجائزة الكبرى والفوز العظيم والثواب الجسيم.
ومن فجر في صيامه وتهاون في أمر ربه وتعدى حدوده فيا ندامته ويا أسفه ويا حسرته.
يعود الناس من المصلي وهم فريقان:
فريق مأجور مشكور. يقول الله تعالى لهم: انصرفوا مغفور لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم.
وفريق خاسر خائب يعود بالخيبة والخسران والأسف والحرمان.
مر أحد الصالحين بقوم يلهون ولغون يوم العيد فقال لهم: إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان ، وإن كنتم أسأتم فما هكذا يفعل من أساء مع الرحمن.
رأى عمر بن عبد العزيز الناس يسرعون على جمالهم وخيولهم من عرفات مع الغروب ، فقال ليس السابق اليوم من سبق جواده أو بعيره ،
ولكن السابق من غفر ذنبه.
يا أيها المسلم تفكر فيمن صلى معك بالأعياد الماضية من الآباء والأجداد والأحباب والأصحاب، أين هم ؟ أين ذهبوا ؟ أين ارتحلوا ؟
قال أبو العتاهية الزاهد:
فـكـم فـجـع الـمـوت مـن والـد وكـم سـكت الـدهر مـن والـده
وكــم قــد رأيـنـا فـتـى مـاجدا تــفـرع مـــن أســـرة مــاجـدة
يـشمر لـلحرب فـي الـدارعين ويـطـعـم فــي الـلـيلة الـبـاردة
رمــاه الـفـراق بـسـهم الـردى فـأصـبـح فــي الـتـلة الـهـامدة
فـمالي أرى الـناس فـي غـفلة كــــــأن قــلــوبـهـم ســـامـــدة
شــــروا بــرضـا الله دنـيـاهـم وقــــد عــلـمـوا أنــهــا بــائـدة
إذا اصبحوا أصبحوا كالأسود بــاتــت مـجـمـوعـة حــــاردة
مـظـاهرهم تـعجب الـناظرين ونـيـاتـهـم بــالــردى فــاســدة
غدا تنال الجائزة ، وغدا توفى أجرك مكتوبا في سجلات الأعمال فاحرص أن يكتب فيه خير ، وانتظر عيدك الأكبر يوم تفوز إن شاء الله برضى الله وعفو الله: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور ﴾ آل عمران: من الآية185.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم , وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
الخاتمة:
أيها الصائمون سلام عليكم ورحمة وبركاته ، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، طاب صيامكم وقيامكم وهنيئا لكم ما فعلتم بأنفسكم.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾
الانبياء: 101 - 102.
جعلنا الله وإياكم منهم وتقبل منا ومنكم سائر أعمالنا والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
عائض بن عبد الله القرني