بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد .
فهذا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم , وهو وصف أم معبد وهي من أفضل من وصف النبي صلى الله عليه وسلم .
حادثة أم معبد
حدثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن شعبة ، ثنا حزام بن هشام بن حبيش بن خالد بن خليد بن ربيعة الخزاعي ، ثنا أبي ، عن جده ، عن أخته أم معبد واسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية قالت : لما أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وخرج منها يريد المدينة ومعه أبو بكر الصديق ومولى لأبي بكر يقال له : عامر بن فهيرة وعبد الله بن الأريقط الليثي دليلهم فمروا بنا فدخلوا خيمتي وأنا مختبئة بفناء خيمتي أسقي وأطعم المارين فقال : ألا هل من لحم فبعثت إليهم بشاة ذات لبن فردها وبعثت إليه بعناق جذعة فقبلها وقال : إنما رددنا الشاة لأنها ذات لبن فهل عندك من تمر ؟ فقلت : لا والله ولو كان عندي ما تطلبون ما جاوزتم خيمتي وكانوا مرملين مجهودين فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا شاة بالفناء فقال : ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ فقلت : شاة خلفها الراعي من الجهد ليس بها لبن ولا لحم قال : تأذنين لنا أن ندنو منها ونحلب ؟ قلت : نعم إن رأيت بها حلابا بأبي أنت وأمي فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وقال : بسم الله ودعا ربه فتفاجت ودرت واجترت وكلفت ثم دعا بالإناء فأتيته بإناء لنا إذا ملأناه يربض الرهط فحلب منها حتى امتلأ وتدفق فسقاني حتى رويت ثم سقى أبا بكر ثم رجلا رجلا ممن معه ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتحل وارتحل أصحابه عنا وبايعه أهل الماء على الإسلام ثم جاء زوجي من الرعي يسوق أعنزا لنا عجافا فقربت إلى زوجي اللبن وأخبرته خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته ببركته فقال : صفيه لي ، قلت : نعم ، رجل ظاهر الوضاءة أبلج (1) الوجه حسن الخلق بساما وليس نحيلا ولا مدلما ولا مطهما أبيض وسيم ثقيل أدعج (2) العينين أهدب الأشفار منعطف جهير الصوت كأن عنقه سطح قمر كث اللحية أزج الحواجب مقرون إذا تكلم علاه البهاء وإذا سكت فعليه الوقار أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلى الناس وأحسنه من قريب شهي المنطق فصل لا فضول ولا هذرمة إذا تكلم نظم الدر والمرجان لا نزر ولا نقصان رجل فوق الربعة غصن بين غصنين أنظر الثلاثة وأطراه أحسنهم منظرا وأتمهم جسما إذا جلس حفوا به وإذا تكلم أنصتوا وإذا قام قاموا حوله وإذا أمر بأمر ابتدروه فيما يأمرهم محفود محشود يحسده قومه لما الله نوره لا عابس ولا يعتدي على أحد بشر ، أطهر الناس خلقا وأكرمهم عودا صلى الله عليه وسلم فقال لي زوجي : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره كيت وكيت بمكة ولقد هممت أن آتيه فأصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا إن شاء الله ثم سمعوا بمكة صوتا عاليا يسمعون الصوت ولا يرون من صاحبه ولا يرون شخصه جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا يجارى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم وملبثها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت عليه صريحا ضرة الشاة مزبد فغادرها رهنا لديها لحالب يرددها في مصدر ثم مورد فسمع حسان بن ثابت هذه الأبيات فأنشأ يقول : لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقدس من يسري إليهم ويفتدي ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عمايتهم هاد له كل مهتد وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد فإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في غد ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد ويهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد وأم معبد من ولد كعب بن عمرو بن حارثة .
__________
(1) أبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئه
(2) الدعج : شدة سواد العينين مع سعتهما