الحلم - روائع أخلاق الرسول عليه الصلاة و السلام
1- اذهبوا فأنتم الطلقاء:
لما فتح رسول الله مكة جمع قريشًا فقال لهم :
( يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية
وتعظُّمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب )
ثم تلا هذه الآية :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات : 13] الآية كلها .
ثم قال :
( يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ؟ )
قالوا : خيرًا ، أخ كريم وابن أخ كريم .
قال
( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) [1] .
2- جذبه أعرابي فأمر له بعطاء!
عن أنس بن مالك قال : كنت أمشي مع النبي
وعليه بُردٌ نجراني غليظ الحاشية ،
فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة ،
حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي
قد أثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ،
ثم قال : مُرْ لي من مال الله الذي عندك .
فالتفت إليه فضحك ، ثم أمر له بعطاء [2] .
3- يدعو بالهداية لمن آذاه :
عن عبد الله بن عبيد قال : لما كسرت رباعية [3] رسول الله ،
وشُجَّ [4] في جبهته ، فجعلت الدماء تسيل على وجهه ،
قيل : يا رسول الله ، ادعُ الله عليهم .
فقال :
( إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَانًا وَلا لَعَّانًا ، وَلَكِن بَعَثَنَي دَاعِية وَرَحْمَة ،
اللهُمَّ اغْفِر لِقَومِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) [5] .
وعندما عَصَتْ قبيلةُ دوسٍ في بداية أمرها أَمَرَ رسول الله ،
قال أبو هريرة : قدم طفيل بن عمرو الدوسي
وأصحابه على النبي فقالوا :
يا رسول الله ، إن دوسًا عصت وأبت ، فادعُ الله عليها .
فقيل : هلكت دوس !
قال :
( اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَ آتِ بِهِمْ ) [6] .
4- من يمنعك مني؟
يروي جابر بن عبد الله ،
يقول : قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِمُحَارِبَ خَصَفَةَ [7] بِنَخْلٍ ،
فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ :
غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ بِالسَّيْفِ ،
فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟
قَالَ :
( اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) .
فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ ،
فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ :
( مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ )
قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ .
قَالَ :
( أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ )
قَالَ: لا ، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ ،
وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ . فَخَلَّى سَبِيلَهُ .
قَالَ : فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ ، قَالَ : قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ " [8] .
5- دعوهم يكن لهم بدء الفجور و ثناه :
يقول سلمة بن الأكوع :
" ... ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ وَ اصْطَلَحْنَا .
قَالَ : وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ ،
وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
قَالَ : فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ،
أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا فَاضْطَجَعْتُ فِي أَصْلِهَا .
قَالَ : فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ فَأَبْغَضْتُهُمْ،
فَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى وَعَلَّقُوا سِلاَحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا ،
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي : يَا لِلْمُهَاجِرِينَ ! قُتِلَ ابْنُ زُنَيْم ٍ.
قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ ، فَأَخَذْتُ سِلاَحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا [9] فِي يَدِي .
قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ : وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لاَ يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلاَّ ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ .
قَالَ : ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .
قَالَ : وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ [10] بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلاَتِ[11]
يُقَالُ لَهُ : مِكْرَزٌ يَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَى فَرَسٍ مُجَفَّفٍ [12] فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،
فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ :
( دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ [13] )
فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ " [14] .
6- أعطوه سنا مثل سنه :
عن أبي هريرة أن رجلاً تقاضى رسول الله فَأَغْلَظَ ،
فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
( دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً )
ثُمَّ قَالَ :
( أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ ) .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ .
فَقَالَ :
( أَعْطُوهُ ؛ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً ) [15] .
7- لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما :
قال زيد بن سعنة - وكان من أحبار اليهود قبل أن يسلم - :
إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ،
إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا ،
فكنت أتلطف له لأنْ أخالطه فأعرف حلمه وجهله .
قال: فخرج رسول الله من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب ، فأتاه رجل على راحلته كالبدويِّ ،
فقال : يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام ،
وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا ، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث ،
وأنا أخشى - يا رسول الله - أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا،
فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت . قال : فنظر رسول الله إلى رجل جانبه - أراه عمر-
فقال : ما بقي منه شيء يا رسول الله .
قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه ، فقلت له : يا محمد ،
هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ؟
فقال : " لاَ يَا يَهُودِيُّ ، وَلَكِن أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا ،
وَلا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلانٍ " . قلت : نعم . فبايَعَنِي ، فأطلقت همياني [16] ،
فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ،
قال : فأعطاها الرجل وقال : " أعجل عَلَيْهِمْ وأَغِثْهُمْ بِهَا ".
قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ،
خرج رسول الله في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ، ونفر من أصحابه ،
فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه ،
ونظرت إليه بوجهٍ غليظ، ثم قلت : ألا تقضيني يا محمد حقي ؟
فو الله ما علمتكم بني عبد المطلب بمَطْلٍ ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم !!
قال : ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير،
ثم رماني ببصره وقال : أيْ عدو الله ! أتقول لرسول الله ما أسمع ، و تفعل به ما أرى ؟ !
فو الذي بعثه بالحق ، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي هذا عنقك.
ورسول الله ينظر إلى عمر في سكونٍ وتؤدة ،
ثم قال : " إِنَّا كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا مِنْكَ يَا عُمَرُ ، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ ،
وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ ، اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَاقْضِهِ حَقَّهُ ،
وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ غَيْرِهِ مَكَانَ مَا رُعْتَهُ " .
قال زيد : فذهب بي عمر فقضاني حقي ، وزادني عشرين صاعًا من تمر.
فقلت : ما هذه الزيادة ؟ قال : أمرني رسول الله أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ .
فقلت : أتعرفني يا عمر؟ قال : لا ، فمن أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة . قال : الحَبْر ؟
قلت : نعم ، الحبر . قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله ما قلت ، وتفعل به ما فعلت ؟
فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا اثنتين
لم أختبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما ،
فأُشهدك - يا عمر- أني قد رضيت بالله ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد نبيًّا ،
وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالاً - صدقة على أمة محمد .
فقال عمر: أوْ على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم . قلت : أو على بعضهم .
فرجع عمر وزيد إلى رسول الله ، فقال زيد :
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله " [17] .
المصادر :
[1] ابن هشام : السيرة النبوية 2/411، وابن القيم : زاد المعاد 3/356 ،
و السهيلي : الروض الأنف 4/170، وابن كثير: السيرة النبوية 3/570 ،
وكذلك ابن حجر: فتح الباري 8/18، وقال الألباني : سنده ضعيف مرسل .
[2] البخاري: كتاب الخمس ، باب ما كان النبي يعطى المؤلفة قلوبهم
وغيرهم من الخمس ونحوه (2980) .
[3] الرباعية : السن بين الثنية والناب ، وهي أربع : رباعيتان في الفك الأعلى ،
ورباعيتان في الفك الأسفل .
[4] شُجّ : جرَحه غيرُه .
[5] البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم" (3290) ،
ومسلم : كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد (1792) و البيهقي في شعب الإيمان (1447) واللفظ له .
[6] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء للمشركين بالهداية ليتألفهم (2300) ،
ومسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل غفار وأسلم ... (2524) .
[7] محارب خصفة بن قيس بن غيلان من بطون عدنان .
[8] البخاري: كتاب المغازي ، باب غزوة ذات الرقاع (3905) ، ومسلم : كتاب الفضائل ،
باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس (843) .
[9] الضِّغْث : أي حُزْمة . انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/192.
[10] هو عامر بن سنان الأنصاري ، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، استشهد يوم خيبر،
وهو الذي جعل يرتجز حين خرج يومها ويقول: بالله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا .
انظر: ابن الأثير : أسد الغابة 2/19، وابن حجر: الإصابة ، الترجمة (4391) .
[11] العَبَلات : مِنْ قُرَيْش ، وَهُمْ أُمَيَّة الصُّغْرَى ، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمْ (عَبَلِيّ) ؛ لأنَّ اِسْم أُمّهمْ عَبْلَة .
انظر: شرح النووي على مسلم 6/267.
[12] أَيْ عَلَيْهِ تِجْفَاف بكسر التاء ، وهو ثوب يلبسه الفرس ليقيه من السِّلاح .
انظر: المصدر السابق، الصفحة نفسها .
[13] البدء: أي ابتداؤه ، وثناه: أي عودة ثانية .
[14] مسلم ، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها (1807) ، وأحمد (16566) .
[15] البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس ،
باب استقراض الإبل (2260) ، ومسلم : كتاب المساقاة ،
باب من استلف شيئا فقضى خيرًا منه (1601) .
[16] الهميان : كيس للنفقة يشد في الوسط . انظر : المعجم الوسيط 1/996 .
[17] ابن حبان (288) ، والحاكم (6547) ، و البيهقي ( 11066)،
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : روى ابن ماجه منه طرفًا ،
ورواه الطبراني ، ورجاله ثقات .