بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن مات جميع منتبقى على الأرض ولم يبق أحد على قيد الحياة يأمر ربنا جل جلاله احد ملائكتهوهواسرافيل بالنفخ في بوق عظيم لاحياء جميع المخلوقات من الانسان والجن والحيوانوباقي المخلوقات، هذه الصيحة المفزعة القوية جدا توقظ جميع الموتى من بني آدم إلىآخر من يموت فيخرجون من قبورهم مذهولين مصعوقين، ويخرجون وعليهمآثارغبار قبورهم. كلهم يجمعهم الله في طرفة عين، ويبعثون بالهيئة التي ماتواعليها، حيث تنشق الارض عنهم ، ويقومون من قبورهم حفاة عراة،ويكونون كالجراد من كثرتهم. يصف لنا ربنا سبحانه وتعالى هذا اليوم العظيم بقوله: (ونفخ في الصور فصعق منفي السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون)،بعد استيقاظهم من موتهم يتوجهون مباشرة إلى أرض الحساب، إلى أرضجديدة خلقها الله سبحانه وتعالى وهي الأرض التي سيحاسبهم الله عليها، وهي أرضبيضاء نقية لم ترتكب عليها معصية أبدا، ولم يسفك عليها دم أبدا، ولم يظلم إنسانعليها أبدا، قالالله تعالى: (يومتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) فيسير الناس منهم راكباومنهم ماشيا ومنهم من يسير على وجهه، كل على حسب عمله في الدنيا وعلى حسب إيمانه، وفيهذا الموقف المخيف تحدث زلازل عظيمة، وتنشق السماء، وتتفجر البحار وتحدث براكينهائلة، يصف لنا ربنا جل جلاله ذلك فيقول سبحانه: (إذا السماء انفطرت *وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمتوأخرت * يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورةما شاء ركبك * كلا بل تكذبون بالدين * وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين *يعلمونما تفعلون * إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم * يصلونها يوم الدين* وما هم عنها بغائبين * وما أدراك ما يوم الدين *ثم ما أدراك ما يوم الدين *يوملا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)، في هذا اليوم لا يسأل أحد عن أحد، وتسقطالكواكب على الأرض، وتنسف الجبال وتتطاير حتى تصبح كالقطن المنفوش، يقول ربنا جلجلاله (القارعة ما القارعةوما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوشفأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراكما هيه نار حامية)، وتطمس النجوم في السماء، ويطوي اللهالسموات بيمينه، كما قال سبحانه وتعالى: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يومالقيامة والسموات مطويات بيمينه) وتنزل الملائكة فتحيط بالناس، وتقترب الشمس من فوقالرؤوس ولا يبقى أي ظل إلا ظل عرش الله، فيصاب الناس بآلام شديدة من شدة الحروالعطش والجوع، ويتصببون عرقا، فمنهم من يصل عرقه إلى قدميه، ومنهم من يصل إلىبطنه، ومنهم من يصل إلى فمه، كل حسب عمله في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (تدنوا الشمس في ذلكاليوم إلى رؤوس الخلائق بمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق؛ فمنهممن يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم منيلجمه العرق إلجاما وأشار بيده إلى فيه) ولن تنجو من حر هذا اليوم إلى إذا كنت منهؤلاء الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في حديثه الشريف حيث قالصلوات الله عليه: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأفي عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقاعليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقةفأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). ويستمر الانتظار من أجلالحساب في الحر الشديد تحت الشمس المحرقة 5000 عام أوأكثر، فيصيب الرعب البشر وهميصرخون ويتألمون ويبكون، حتى أن الأطفال تشيب من هول ذلك اليوم، والأخ ينسى أخاهوالوالدان ينسوا أولادهم، والأولاد ينسوا آبائهم والزوج ينسى زوجته والصديق ينسىصديقه، فكل منهم همه الوحيد هو انقاذ نفسه من هذا العذاب الطويل، ويتخاصم الضعفاءمع المتكبرون، ويتخاصم الكافرون مع شياطينهم، ويلعن بعضهم بعضا، حيث تتبرأالشياطين منهم، فيندم الكفار والظالمون ندما شديدا، يقول ربنا: (فإذا جاءت الصاخة *يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأنيغنيه * وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة* أولئك هم الكفرة الفجرة)ثم يفزع الناس إلى الأنبياء كي يدعواالله لهم بأن ينقذهم ويخلصهم من هذه الوقفة وبدء الحساب، فيرفض جميع الانبياء ذلكويقول كل واحد منهم ( لقد غضب ربنا اليوم غضبا لم يغضب مثله قبل ولن يغضب مثله بعداذهبوا الى غيري انا لست لها) فبعد أن يرفض جميع الأنبياء التشفع لهم يذهبوا الى سيدنا محمد صلىالله عليه وسلم فيرضى الله له بالشفاعة للناس لبدء الحساب، وهذا المقام لم يعطهربنا لأحد إلا ليسدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فتنتهي الوقفة، ويوضع الميزانلوزن أعمال العباد، وهو ميزان حقيقي له كفتان، قال الله تعالى: (ونضع الموازين القسطليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفا بناحاسبين) قالصلى الله عليه وسلم (يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت،فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقولالملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) قال سيدنا عمر : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم). وهو ميزان لوزنالسيئات والحسنات، قال ربنا سبحانه وتعالى: (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينهفأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوابآياتنا يظلمون) حيث يكون لكل شخص كتاب ضخم جدا فيه كل أعمال حياته الصغيرةوالكبيرة، هذا السجل ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يؤتى برجل يومالقيامة، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر) فلايستطيع العبد أنينكر من أعماله شيء لأن كل الأعمال مصورة، فأما المؤمن فيستلم كتابه بيمينه،والكافر أو المنافق يستلم كتابه بشماله، قال ربنا جل جلاله: )فإذا نفخ في الصور نفخةواحدة * وحملت الأرض والجبالفدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية * يومئذ تعرضون لا تخفىمنكم خافية * فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إني ظننت أني ملاقحسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية * قطوفها دانية * كلوا واشربوا هنيئابما أسلفتم في الأيام الخالية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية* ما أغنى عنيماليه * هلك عني سلطانيه * خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم( ويأمر ربنا الملائكةبإحضار جهنم فيقول ربنا جل جلاله: (ياجبريل ائتني بجهنم)، وقال ربنا في القرآنالكريم: (كلا إذا دكت الأرضدكا دكا * وجاء ربك والملك صفا صفا * وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسانوأنى له الذكرى *يقول يا ليتني قدمت لحياتي * فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثقوثاقه أحد)فتأتي النار و لها سبعون ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك كما أخبرنا رسولالله صلى الله عليه وسلم، هذه النار التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو وجد أهل النار نارمثل ناركم لاستراحوا فيها وناموا) وقال فيها أيضا صلى الله عليه وسلم: (أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقدعليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة) فتفزع الخلائق منهافزعا شديدا ورعبا ويحاولون الهرب منها لكنهم لايستطيعون لأن الملائكة محيطة بهمفتجثوا الأمم على ركبها خوفا منها تبكي وتصرخ، فليس هناك مكان تختبئ فيه، وتخرج منجهنم ألسنة تريد أن تلتهم من في المحشر فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا عبد صالحإلا ويجثو على ركبتيه خوفا، ويسمع الناس غضبها وزفيرها وهي وتنادي: (وكلت بكل جبار عنيد،وبمن دعا مع الله إله آخر، وبالمصورين). ولايستطيع أحد أن يقف لتلك النار إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول صلى اللهعليه وسلم: (يانار الجبار عودي، فتقول النار: إليك عني يامحمد فمافوكلت بك ولا بأصحابك، فيقول لها ربنا: ياناري اسمعي لمحمد وأجيبي)يقول ربنا جل جلاله: (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيهولكن أكثر الناس لا يعلمون * ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعةيومئذ يخسر المبطلون * وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليومتجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتمتعملون * فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هوالفوز المبين * وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) ثم يأمر ربنا سيدناآدم عليه السلام فيقول له: (ياآدم، قم فابعث بعث النار، فيقول: يا رب وكم؟ فيقول الله: من كلمائة تسعة وتسعين) ويكون الناس يومها ثلاثة أنواع: (مؤمنين، وكافرين، ومنافقين)، ولاينجيك عند الميزان ويرجح ميزان حسناتك إلا هذه الأعمال: (ذكرلا إله إلا الله وتسبيحه، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بر الوالدين،الخوف من الله، البكاء من خشية الله، حسن الظن بالله تعالى، الحج والعمرة، سرعةالاغتسال من الجنابة، صلة الرحم، الصبر على موت الاطفال)،فإذا كنت منهم نجوت ورجحت كفة حسناتك فتكون من الناجين، وإن لم تكن منهم رجحت كفةسيئاتك فتكون من الخاسرين، قال صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان علىاللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان اللهالعظيم) وقال رسول الله صلىالله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملآن ما بين السماء والأرض) قال رسول الله صىل الله عليه وسلم: (إن أثقل شيء يوضع فيميزان العبد يوم القيامة خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء) وللرسول صلى الله عليهوسلم شفاعة أخرى للمؤمنين المذنبين عند الميزان، يشفع بها لمن كانت سيئاته أكثر منحسناته، ويهب الرسول شفاعته لمن كان يكثير الصلاة عليه في الدنيا، قال صلى اللهعليه وسلم
إن أولى الناس بشفاعتي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة في الدنيا) وأما من لم يكن مؤمنابالله فتأخذه الملائكة إلى النار مباشرة لأن سيئاته غلبت على حسناته ولا يمكن أنيستفيد من شفاعة الرسول كما قال ربنا سبحانه وتعالى: (واتقوا يوما لا تجزينفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون)، (فمن ثقلتموازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنمخالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون)، (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوهافتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكملقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين* قيل ادخلوا أبواب جهنمخالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين * وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذاجاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * قالواالحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجرالعاملين) أماالمؤمنين الذين استلموا كتبهم بيمينهم ورجحت كفة حسناتهم فيفرحون فرحا كبيرا،وسيكون حسابهم سهلا كما قال ربنا: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحافملاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهلهمسرورا) ثميذهب بعد ذلك المؤمنين ومعهم من نجى من المنافقين، بعدأن نجوا من الميزان ليعبروا فوق جهنم وهو الامتحان الكبير لإيمانهم، فمن كان منافقالايمكن له أن يعبر الصراط وهو جسر مضروب فوق جهنم، كما يقول ربنا: (وإن منكم إلاواردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيهاجثيا ) أما المؤمن فينجو منه إن كان إيمانه صحيحا،والمنافق لا يستطيع النجاة منه فيسقط في النار، حيث أن هذا الجسر طوله مسيرة 3000عام صعودا واستواءا وهبوطا، وهو مظلم لانور فيه، وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف،قال صلى الله عليه وسلم: (الصراط أحد من سيف أحدكم، ولكنه على المؤمن كالوادي الفسيح) فكل يرى الصراط حسبعمله، وعلى هذا الصراط يوجد خطاطيف وكلاليب وأشواك فإن أمسكت بأحدهم أوقعته فيجهنم، وكل خطاف يختص بذنب من الذنوب فمن كان عنده من تلك الذنوب مسكته أحدخطافاتها، ومن تلك الذنوب: ( التكبر، الغيبة، النميمة، الرياء، الربا، المتثاقل عن الصلاة،الظلم) والخطاف يشم رائحةصاحبه ويعرفه. كل إنسان يمر على هذا الصراط ويسرع فيه حسب عمله، فمن كان مستقيمافي الدنيا سار بسرعة على الصراط، فمنهم من يمر عليه كسرعة البرق، ومنهم يمر عليهكسرعة الريح، ومنهم كسرعة الفرس، ومنهم كسرعة الدجاجة، ومنهم من يمكث فيه ألف سنةأو أكثر. ثم إن على هذا الصراط توجد عليه 7 قناطر يسأل فيها الناس عن 7 أشياء إننجحوا فيها اجتازوا الجسر وإن لم ينجوا منها سقطوا في جهنم، وهذه القناطر هي: (قنطرةالتوحيد، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، الاغتسال والوضوء، المظالم)فإن أعماله تلك فيالدنيا صحيحة وكان إيمانه صحيحا نجى منها، وإن لم تكن صحيحة حبس في كل قنطرة ألفسنة وعذب. ولكي تعبر هذا الجسر تحتاج لنور ليضيء لك طريقك لأن الصراط مظلم وتحتهجهنم، كما قال سيدنا رسول الله: (منهم من يعطى نوره مثل الجبل، ومنهم منيعطى نوره مثل النخلة، ومنهم يكون نوره على ابهام قدمه يضيء مرة ويطفىء مرة)هذا النور هو العملالصالح في الدنيا، ومن أكثر ما يضيء لك طريقك على الصراط هو (ذكرالله)،لأن الله يقول: (الله نور السموات والأرض)، وقال تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بينأيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلكهو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس مننوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمةوظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتمأنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوملا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير)، فمن أراد أن يكون عنده نور على الصراط يمكنه أن يحصل عليه في هذهالدنيا الآن وليس في الآخرة. ومن الذين يعبرون بسرعة على الصراط هم: (المنفقون على الأرامل واليتامى، والمدافعون عن أعراض الناس)،قال صلى الله عليهوسلم: (عينان لا تمسهماالنار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) أما الاتقياء فلايفزعهم هذا اليوم ولا يخيفهم ويمرون عليه بسرعة، حتى أن نور بعض المؤمنين يكاديطفئ النار فتقول النار له: (يامؤمن اعبر بسرعة فإن نورك غطى على ناري) وهؤلاء هم الذاكرون.وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف كبير لمشاهد حقيقية يوم القيامة: (رأيت رجلا من أمتيأتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلا منأمتي قد احتوشته الشياطين ، فجاء ذكر الله فطير الشياطين عنه، ورأيت رجلا منأمتي قد احتوشته ملائكة العذاب ، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلا منأمتي عطشا ، كلما دنا من حوض منع وطرد ، فجاءه صيامه شهر رمضان فأسقاه ورواه،ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا ، كلما دنا إلى حلقة طرد ومنع ،فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلا من أمتي من بين يديهظلمة ، ومن خلفه ظلمة ، وعن يمينه ظلمة، وعن يساره ظلمة ، ومن فوقه ظلمة ، وهومتحير فيها ، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلامن أمتي يتقي وهج النار وشررها ، فجاءته صدقته فصارت سترا بينه وبين النار وظلاعلى رأسه، ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه ، فجاءته صلته لرحمهفقالت : يا معشر المؤمنين ، إنه كان وصولا لرحمه، فكلموه ، فكلمه المؤمنون وصافحوهوصافحهم، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية ، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عنالمنكر فاستنقذه من أيديهم ، وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلا من أمتي جاثياعلى ركبتيه ، وبينه وبين الله حجاب ، فجاءه حسن خلقه ، فأخذ بيده فأدخله على اللهعز وجل، ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله ، فجاءه خوفه من الله عزوجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه ، فجاءه منمات من أولاده فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم ،فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلا من أمتي قد هوى فيالنار ، فجاءته دمعته التي قد بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك، ورأيترجلا من أمتي قائما على الصراط، يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف ، فجاءه حسن ظنهبالله عز وجل فسكن روعه ومضى، ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ، يحبو أحياناويتعلق أحيانا ، فجاءته صلاته فأقامته على قدميه وأنقذته، ورأيت رجلا من أمتيانتهى إلى أبواب الجنة ، فغلقت الأبواب دونه ، فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللهففتحت له الأبواب وأدخلته) بعد عبور المؤمنين للصراط يفرحوا فرحا عظيما لاحزن بعده فيمضي منفاز منهم إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحوض ماؤه أشد بياضا منالثلج، وأحلى من العسل، عليه أكواب وأباريق، فمن المؤمنين من تسقيه الملائكة،ومنهم من يسقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يسقيهم الله عزوجل. بعد أنيشرب المؤمن من هذا الماء لايشعر بالعطش أبدا بعد ذلك، وتتغير صفاته واخلاقه فيصيرأهلا لدخول الجنة، وهناك أناس يمنعون من الشرب على الحوض وهم كما أخبرنا بهم رسولالله صلى الله عليه وسلم: (المرتد عن دين الله، المغير في دين الله، المخالف لجماعةالمسلمين، الظالم، من يقاتلون الحق وأهل الدين، المجاهرون بالمعاصي، المستخفبالمعاصي، الذين يبتدعون في الدين). ثم يدخل بعد ذلك المؤمنين الجنة ويدخلالكافرون والمنافقون النار ولايخرجون منها، ويؤتى بالموت ويذبح أمامهم، ثم يناديمناديا من قبل الله عزوجل ويقول: ( ياأهل الجنة خلودا بلا موت، ويا أهل النارخلودا بلا موت) فيفرح المؤمنون فرحا شديدا، ويحزن الكافرون حزنا وندما عظيما،وهناك أناس يدخلون الجنة بدون حساب وهم كما وصفهم سيدنا رسول الله: ( هم الذين لايكتوون،ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، وأيضا منهم (الحمادون لله على كل حال، وكافلين اليتامى،والشهداء) (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحقوقيل الحمد لله رب العالمين).
ونصيحتي لك هي أن تذكرالله ذكرا كثيرا، فذكر الله هو من أكثر ما سينجيك من عذاب يوم القيامة، كما قالسيدنا رسول الله صىل الله عليه وسلم: (ماعمل ابن آدم من عملأنجى له من عذاب الله من ذكر الله)، فالناس غرقى والذاكرون على سفينة نوح.
قالالله جل جلاله (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيميوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) وقال جل جلاله
فإذا جاءت الطامة الكبرى * يوم يتذكر الإنسان ما سعى *وبرزت الجحيم لمن يرى *فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا *فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى *فإن الجنة هي المأوى * يسألونك عن الساعة أيان مرساها *فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها * إنما أنت منذر من يخشاها *كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقال جل جلاله
لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة *أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه *بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم القيامة *فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر *يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر *ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر)، يوم القيامة ليس قصةتروى، إنه قضية حق، وإيمان مطلق، هذا اليوم العظيم المرعب أنذر به الله جميععباده، فكل الأنبياء حذروا قومهم من عذاب يوم القيامة. هذه الرسالة هي لأصحابالعقول السليمة، لينقذوا أنفسهم من العذاب، وأنا أضعها بين أيديك أمانة لتوصلهاإلى كل من تستطيع إيصالها له لتنقذه، لأن هذا اليوم قادم لامحالة، وكل من له عقليقرأ ويحذر ويستعد لذلك اليوم،قال ربنا جل جلاله (ولو ير الذين ظلموااذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب) وقالربنا جل جلاله (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودهاالناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)وقالجل جلاله (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يومالقيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) صدق اللهالعظيم.
لذلكولكي لاتخسر حياتك وآخرتك، وتكون من الرابحين والفائزين والسعداء والمحظوظين فيالدنيا والآخرة، وتكون لك كرامة عند الله، وتكون من المقربين لديه، عليك بذكر اللهكل يوم فهو سر سعادتك وسر ارتباطك بالله عزوجل. اجلسفي الصباح بعد صلاة الفجر، ومساءا قبل صلاة المغرب في غرفتك بمفردك، وتعطر برائحةزكية، والبس ثوبا نظيفا، وأطفئ النور، واغمض عينيك، وتوجه بقلبك إلى الله، واشعربأن الله حاضر معك، واشعر بقدسيته، وهيبته، ومحبته، وعظمته، وخشيته تملأ قلبك، وقل(لاإله إلا الله) لمدة نصف ساعة صباحا، ونصف ساعة مساءا على الأقل، ولاتقطع هذاالذكر ولايوم، قال تعالى: (يا أيها الذينآمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكره وأصيلا).
قالرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ان الله وملائكته واهل السموات والارضين حتىالنملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)، وقال أيضا: (ألا أخبركمعن الأجود الأجود ؟ الله هو الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي رجلتعلم علما فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده)، انشرها لتنال الثواب الذي ذكرهرسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله.